لا يقف أثر الصلاة ودورها الاصلاحي في حدود دائرة المصلّي الفردية، بل يتعدّاها الى مجالات المجتمع المختلفة لتقوم الحياة الاجتماعية وفق الصيغة التي أرادها الله سبحانه.
وتحقيقاً لهذه الأهداف الاصلاحية للصلاة، جاءت دعوة القرآن لإقامة الصلاة مقترنة بالاصلاح الاجتماعي، والاستقامة على فعل الخير، كما في قوله تعالى:
{ وقُولوا للنّاس حُسْناً وأقيموا الصَّلاةَ وآتوا الزّكاةَ... }.(البقرة/83)
{ أَلمْ تَرَ الى الذينَ قِيلَ لَهُمْ كُفّوا أيديَكُم وأقيموا الصَّلاة... }.(النساء/77)
{ وَجَعَلناهم أئمةً يَهدونَ بأمرِنا وَأوحَينا إليهِم فِعْلَ الخيراتِ وإقامَ الصَّلاةِ... }.(الأنبياء/73)
{ الّذينَ إنْ مكَنّاهُم في الأرضِ أقاموا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ وأمرُوا بالمعروفِ ونَهَْوا عنِ المنكرِ وللهِ عاقِبةُ الاُمورِ }.(الحج/41)
{ اُتلُ ما اُوحي إليكَ من الكتاب وأقِم الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنهى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصْنَعُون }.(العنكبوت/45)
ويلاحظ المتفحّص للنصوص القرآنية الآنفة الذكر:
1 ـ أنّ الصلاة جاءت مقترنة بالقول الحسن { وَقولُوا للناسِ حُسناً } لئلا تصدر عن المصلّي كلمة السوء، ولئلا يحرّك لسانه بغير الاصلاح والخير، فلا يكذب، ولا يغتاب، ولا يسبّ، ولا يلعن، ولا ينطق بالكلمة البذيئة، بل ينشر بلسانه الخير والفضيلة. فيستعمل الكلمة الطيّبة، كلمة الاصلاح والايمان، ويتعامل بالعبارة الجميلة المسرّة، لأنّ للكلمة دورها الفعّال في إصلاح المجتمع، والتأثير على سير حياته الفكرية والثقافية، وتكوين العلاقات والروابط النفسية والاجتماعية فيه:
{ أَلَمْ تَرَ كيفَ ضَرَبَ اللهُ مثلاً كلمةً طيّبةً كشجرةٍ طيبةٍ أصْلُها ثابتٌ وفَرْعُها في السّماءِ تُؤتي اُكُلَها كلَّ حينٍ بإذْنِ رَبّها، ويضربُ اللهُ الأمثالَ للنّاسِ لَعلَّهُم يَتَذَكَّرون* وَمَثَلُ كَلِمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتُثَّتْ مِنْ فوقِ الأرضِ مَا لها مِنْ قرارٍ }.(إبراهيم/24 ـ 26)
2 ـ أن الصلاة جاءت مقترنة بكفّ الأيدي عن الظلم والعدوان على الآخرين ـ العدوان على أموالهم وأرواحهم وأعراضهم، وكل ما يتعلق بهم ـ :
{ ...أَلمْ تَرَ إلى الّذينَ قِيلَ لَهُم كُفُّوا أيديكُم وأقيموا الصَّلاة }.(النساء/77)
لتنقطع جذور الجريمة والعدوان، ويسود الأمن والاستقرار في المجتمع.
3 ـ أنّ الصلاة جاءت مقترنة بفعل الخيرات، ودعوة الانسان إلى الاصلاح والاستقامة لتربية الانسان على فعل الخير وتحقيق أحلام الانسانية، في التقدّم والاصلاح في مجال العمران، والسياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والأخلاق... الخ، قال تعالى:
{ ...وأوحَيْنا إليِهم فِعلَ الخيْراتِ وإقامَ الصّلاةِ وإيتاءَ الزَّكاة وكانوا لنا عابِدين}. (الأنبياء/73)
4 ـ أنّ الصلاة جاءت مقترنة بالأمر بالمعروف والنهي عن الفحشاء والمنكر:
{ ...إنّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفحْشاءِ والمُنكَرِ... }.(العنكبوت/45)
واقتران الصلاة هذا بالاصلاح الاجتماعي، ومحاربة الفساد، والانحطاط، المتمثّل بالفحشاء والمنكر، ليعود بأفضل النتائج الاصلاحية على حياة المجتمع والدولة.
وهكذا يكون الفرد المصلّي ، والمجتمع المصلّي، مركزاً لاشعاع الخير والاصلاح والاستقامة، لأنّ الصلاة تربّي في النفس:
أ ـ يقظة الضمير بدوام الاتصال بالله والخوف من معصيته، والحياء من مخالفته، وكيف لا يستحي المصلي من فعل الجرائم والمخالفات، وهو يقف في كل يوم خمس مرّات بين يدي ربّه يدعوه، ويستغفره، ويطلب عفوه وثوابه.
ب ـ تُربّي الصلاة في النفس الرغبة في التوبة والاقبال على الصلاح والاستقامة بدوام الاستغفار وتكرار الاستعاذة من الذنوب، فتتّسع في النفس مسافات البعد بينها وبين الجريمة والمعصية، وتتأكد فيها الرغبة في الصلاح والاستقامة.
ج ـ تربّي الصلاة في نفس المصلي حبّ الخير للجميع، وتنقذه من الحقد والأنانية اللّذين هما مصدر كل الشرور والمآسي البشرية في كل مجالات حياتها، فالمصلّي بدعائه يطلب الخير للجميع، ويدعو لهم بالخير والمغفرة، فتنمو في نفسه مشاعر الحبّ والخير بأوسع صيغها الاجتماعية الشاملة.
وليس الدعاء هو كل ما يؤديه المصلّي للتعبير عن رغبته في حبّ الخير، بل ويمتد هذا الاحساس والشعور الانساني النبيل الى خارج مواقف الصلاة، ليتجسّد سلوكاً وعملاً تحيا الانسانية في ظلاله آمنة مطمئنة.