قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«من صلّى المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة في المسجد في جماعة، فكأنّما أحيى الليل كلّه»(17).
«صلاة الجماعة أفضلُ من صلاةِ الفرد بخمس وعشرين درجة»(18).
«إنَّ اللهَ يستحي مِنْ عَبْدِه إذا صلَّى في جماعة ثُمَّ سألهُ حاجتَهُ أن ينصرفَ حتّى يقضيها»(19).
«مَنْ صلّى الصّلوات الخمْس جماعةً، فَظِنّوا بهِ كلّ خَيْر»(20).
شرَّع الاسلام صلاة الجماعة، وأكّدها في الفرائض(21) عدا صلاة الطواف والنوافل وأوجبها في الجمعة والعيدين، لتكون مظهراً من مظاهر التعبّد الجماعي، ووسيلة من وسائل التوحيد والاخاء والمساواة بين المسلمين، ففي صلاة الجماعة يقف المصلّون صفوفاً، يتوجّهون بقلب واحد، وشعور واحد، نحو قبلة واحدة، وربّ واحد، ليستشعروا جميعاً وحدة التوجّه البشري الى الله، والاتحاد مع الجماعة، والاتجاه الموحّد في الحياة، فيمارس المصلّي من خلال ذلك عملية دمج ذاته ضمن الكل الانساني، لتحقيق وحدة بشرية متّحدة الأرواح والاتجاه، تستوحي معاني التوافق والخضوع الجماعي لارادة الله ـ مع مجاميع الكون، وسائر الكائنات ـ في موقفها الجماعي هذا.
فالمصلّون في صفوف الجماعة، هم فوج من الأرواح، يؤلف كوناً متّحد الأفراد، يتضّرع ويناجي، ويتساند في مناجاته وخضوعه، بحثاً عن القرب، وسعياً الى موارد الحبّ الالهي المقدّس، ممّا يكثّف شعور الخشوع في نفس المصلي، ويضفي على الصلاة جوّاً من القدسية والجلال.
ولا تقف أغراض صلاة الجماعة عند هذه الغايات الروحية التعبدية، بل وتتعدّى ذلك لتؤدي دورها الاصلاحي في حياة الفرد والجماعة الاجتماعية.
ففي صلاة الجماعة: يتم التعارف، وتتوطّد أواصر الاُخوّة والمحبة والوئام، وفي صلاة الجماعة يشعر الكلّ بالمساواة، والتواضع، وحذف الفوارق والتعالي، إذ يقف المصلّون في موقف واحد، يردّدون ألفاظاً واحدة، ويؤدون أفعالاً تعبيرية واحدة، ويتوجّهون الى ربّ واحد ؛ فيوحي اليهم هذا الموقف والتوجّه بوحدة القيمة الانسانية، والقدر المتساوي لكافة أفراد النوع البشري أمام خالق الوجود.
ومن جرّاء صلاة الجماعة: يتحقق التلاقي والتعاون على إقامة مشاريع الخير؛ كمساعدة المحتاجين، وتفقّد المرضى، وإنشاء مشاريع البّر والاحسان والاصلاح الاجتماعي الكبرى.
وفي صلاة الجماعة تُلقى الخطب والتوجيهات، فتنمو ثقافة الجماعة الدينية، ويتيقّظ إحساسها الاجتماعي، ويتفتح وعيها الفكري والسياسي، ويتّضح لها طريق الاصلاح والاستقامة.
فلذلك كان حثّ الاسلام على صلاة الجماعة بالغ التأكيد، وخصوصاً الجمعة، فنادى القرآن بها:
{ يا أيُّها الّذينَ آمنُوا إذا نُودِيَ للصَّلاةِ مِنْ يومِ الجُمعةِ فاسعَوا الى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البيعَ ذلكُم خيرٌ لَكُم إنْ كُنتمُ تَعْلَمون }.(الجمعة/9)
ولهذا كان لصلاة الجماعة في الاسلام أهمية عظيمة.
وللاسباب ذاتها، جعل حضورها عاماً للرجال والنساء وحتى للسجناء، فإنّهم يخرجون من سجنهم يوم الجمعة والعيدين ليشاركوا في الصلاة، ثمّ يعودون إلى سجنهم.
فقد ورد عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام):
«انَّ على الامام أنْ يُخْرِجَ المحبسين في الدينِ يومَ الجُمعة إلى الجُمعة، ويوم العيد الى العيد، ويرسل معهم من يحفظهم، فاذا قضوا الصلاة والعيد ردّهم الى السّجن»(22).
وروي عن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، انه قال:
«إنّما جُعلت الخُطبة يوم الجمعة لأنَّ الجُمعة مشهد عام، فأراد الله أن يكون للأمير سبب الى موعظتهم، وترغيبهم في الطاعة، وترهيبهم من المعصية، وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق ومن الأهوال التي لهم فيها المضرّة والمنفعة، وإنّما جُعلت خطبتين لتكون واحدة للثناء على الله والتمجيد والتقديس لله عزّ وجلّ، والاُخرى للحوائج والإعذار والإنذار والدعاء، ولما يريد أن يعلّمهم من أمره ونهيه، ما فيه الصلاح والفساد»(23).
وروي عن الامام علي (عليه السلام) أنه قال:
«نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الكلام يوم الجمعة والامام يَخْطُب، فَمَنْ فَعَلَ ذلك لغا ومَنْ لغا فلا جُمعة له»(24).
فهذه الوحدة المتلاحمة المكثفة من النصوص الاسلامية جديرة بأن تبعث فينا الاهتمام بصلاة الجماعة والحفاظ عليها، وتحقيق أهدافها وغاياتها، خصوصاً وان الاسلام قد شدّد النكير على ترك الجماعة وهجر المساجد.
فقد ورد من الأحاديث والروايات ما يؤكد هذا النكير والنهي؛ كالذي جاء عن الرسول الأمين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
«لا صلاة لمن لم يصلّ في المسجد مع المسلمين، إلاّ من عِلّة»(25).
وورد عن الامام الباقر (عليه السلام) قوله:
«لا صلاة لمن لا يشهد الصّلاة من جيران المسجد إلا مريض أو مشغول»(26).