الصلاة صيغة عبادية مترابطة الأجزاء والعناصر، ووحدة منهجية تستهدف تربية الانسان وإعداده لحياة الخير والاستقامة.
فالصلاة حركة روحية ونفسية دائبة للتخلص من وضعية حياتية وضيعة، ولاحتلال مواقع أرقى عن طريق تشكيل الذات وبنائها وفق مستوحيات الصلاة، وحسب مناخ محيطها، وفي ضوء مداليلها.
والصلاة وحدة عبادية تأتلف بنيتها من أقوال وحركات منظّمة التكوين والترتيب، متناغمة الأهداف والغايات، لتعبّر بمجموعها عن مقاصد النفس وأحاسيسها الروحية والارادية، فقد جُعل لكل جزء في هذا المنهاج العبادي مدلول نفسي، وأثر تكاملي يؤديه بالاضافة الى غيره من العناصر والأجزاء.
وهذه العناصر والأجزاء إن لم تخضع لوعي حاضر، وتأمّل دقيق، وإحساس عميق، بما تنطوي عليه من مداليل وإيحاءات مستهدفة، تستحيل الى صيغة لفظية جوفاء، وحركات آلية خالية من أي أثر عبادي، أو مردود تكاملي، فتكون كما عبّر عنها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله:
«نقر كنقر الغراب».
فلكي تؤدّي الصلاة إذن غرضها لابُدَّ من اكتشاف المعنى، ولابدّ من التأمل في كل لفظ وحركة يؤديها المصلّي، بحيث يدرك ما يعنيه بقوله، ويعي ما يعبر عنه بفعله، فهي ـ أي الأفعال والأقوال ـ الواسطة في التعبير عن العلاقة بالله والشعور تجاهه، وعن طريق آثارها، وتراكم نتائجها؛ يتم إعادة بناء الشخصية، وإعطاء الحياة معنى جديداً من خلال علاقة الانسان العبادية بالله، والسعي لمد آفاق الذات، وتأهيلها لتلقّي معانٍ جديدة، تستوحي من صفات المعبود، وتستلهم من منهاج رسله، كالرحمة، والعدل، والتواضع، والعفو، وحبّ الخير ... الخ، فتنمو وتتفتّح تلك القيم الأخلاقية والروحية في نفس الانسان لتكون أساساً لتصحيح السلوك، وتوجيه مسيرة الحياة.
وبتكرار الصلاة، واستبطان معانيها تتكثّف هذه التوجيهات السلوكية القيّمة، وتتجمّع تلك الشحنات الروحية النّقية، لتصبح وحدة تغييرية واحدة، تمتد آثارها إلى خارج موقف الصلاة، فتشمل فترات الحياة، ومواقف الانسان وأعماله كلّها.
وبذا تكون الصلاة ـ الى جانب كونها واجباً عبادياً ـ مدرسة إصلاحية للتربية والاعداد الانساني المستقيم، تصنع من المصلّي إنساناً صالحا يعيش في ساحة الحياة، فيملأها بأنشطة الخير والاحسان، لأن الصلاة صيغة تستوعب بألفاظها وحركاتها، من قراءة ودعاء، وركوع، وسجود، وخشوع، وضراعة، وإحساس، وتوجّه، تستوعب كل معاني الاسلام ومقاصده.
فهي إقرار بالتوحيد، وتعبير عن الحمد والشكر وإظهار للخضوع والتسليم، ومحاولة لتطهير النفس وتقويم السلوك، وتنمية لمشاعر الخير وحبّه للجميع، لترويض الانسان، ووضعه على طريق الالتزام والاستقامة.