{ ما سَلَكَكُم في سَقَرَ* قالوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصلّين }.(المدثر/42 ـ 43)
يعتبر أداء الصلاة أرقى مراتب العبادة، وأجلى مظاهر الشكر، وأوضح شعائر الامتنان والعرفان، وأصدق تعبير عن مشاعر الوفاء والاخلاص، وأخص مراسم الاعلان عن العبودية، والارتباط بالله.
وبالمقابل فإنّ ترك الصلاة يعبّر عن الجفوة والهجران، ويعكس تنكّر النفس التائهة الضائعة، وانفصامها عن مبدئها وغايتها (خالقها العظيم)، على أن هذا الانفصام لا يمكن إلاّ أن يحدث أثره ونتائجه السلبية ومردوداته الخطرة على نفس الانسان وإحساسه، لذا فالنفس الانسانية التي تعيش الشعور بالانفصام المُرّ عن الله سبحانه، تظل تتلمّس البديل وتبحث عن كل وجهة علّها تجد السكينة والسعادة، أو تحظى بالسرور والرّضى، ولكنّها تظل تبحث دون جدوى، وتتخبّط دونما هداية.
ولكي لا تحل بالانسان مأساة العذاب والبُعد عن الله سبحانه، شدّد الاسلام على الالتزام بالصلاة، والحفاظ عليها:
{ حافِظوا على الصّلواتِ والصّلاةِ الوسطى وقومُوا للهِ قانِتين }.(البقرة/238)
وشدّد النكير على تاركي الصلاة وساوى بين ترك الصلاة والكفر من حيث النتيجة الاُخروية التي ينتهي اليها الاثنان، والحالة النفسية والسلوكية التي يتمرّغان بأوحالها، لأنّ كلاًّ من تارك الصلاة والكافر منفصم العلاقة بالله، منقطع الصّلة به، متنكّر للفضل والنّعم، يعاني من ظلمات النفس، ويعيش تحت وطأة تراكم الذنوب والانحراف؛ لذا جعلت الصلاة في عرف الاسلام حدّاً فاصلاً بين الكفر والايمان.
فقد روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله المعبّر عن رأي الاسلام وموقفه من تارك الصلاة:
«ما بين الكفر والايمان إلاّ ترك الصّلاة».
كما روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
«الصلاة عمود الدّين، من أقامها فقد أقام الدّين، ومن تركها فقد هدم الدّين».
وروي عن الامام الباقر (عليه السلام):
«بُني الاسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت، وصيام شهر رمضان»(9).
وبهذه النصوص المتضافرة من الكتاب والسنّة على تأكيد دور الصلاة وأهميتها الايمانية، والاصلاحية، نستطيع أن نستنتج قدر الصلاة وقيمتها في الاسلام؛ فهي الحدّ الفاصل بين الايمان والكفر، وهي علامة المؤمن، وصفة المتقي، وهي عماد الاسلام وروحه الجامعة لكل معانيه، وصورته المختصرة المركّزة في صيغتها العبادية الرائعة. ففيها تنطوي كل معاني الاسلام، من
الايمان بالله، والاخلاص له، وإظهار الشكر، وتطهير النفس، والترويض على حبّ الخير، وتقويم السلوك، ودوام الاتصال بالله، والارتباط بالعالم الآخر..الخ، لذا كان تركها هدماً للاسلام، وانفصاماً عن الله، وثغرة في نفس التارك يتسرّب منها الفساد والانحراف.