في أوقات متعدّدة، وعلى وجه التحديد خمس مرّات في كل يوم، ومع كل تحوّل كوني، وانتقال زمني وفلكي يطرأ على عالمنا المحيط بنا، وفيما نحن نغطّ في مشاكل الحياة، ونندمج في تيار حركتها الدؤوب الشغول، وقد لفّت بعضنا الغفلة عن ذكر الله، واستهوت الكثير منا مظاهر الحياة، فراح يمنحها كل روحه وإحساسه، مخلصاً لها، مغرماً بالتعلّق بها، ففي غمرة ذلك يسمع الواحد منّا نداء الصلاة يعطّر أجواء الأرض، ويهبط على قلبه هتافاً يردّد شعار التوحيد، ويرفع اسم الله عالياً، وهو يندّد بالغفلة عن ذكره، ويدعو للاقبال على خير الأعمال، واللقاء بأعظم موجود.
في غمرة ذلك، نسمع نداء الصلاة، فنصغي الى سموّ معانيه، وجمال ترانيمه، ونستغرق في الانصات، فيأبى النداء العذب والهتاف الخالد أن يتلاشى في أمواج الفضاء، ليتهادى حياة تنساب الى القلوب الظامئة، ونوراً يتدفق على النفوس التائهة، فيوقظ فيها وعي العقل، وإحساس الضمير، ودفقة الرجاء، وهو يتتالى: «اللهُ أكبر».
الله أكبر مِن أن يُوصَف.
والله أكبر مِن أن يدرك منتهى عظمته أحد.
والله أكبر مِن أن يستوعب جمال وجوده قلب.
عظيم ما أعظمه، كبير ما أكبره ، فأي شيء في هذا الوجود يمكن أن يشغل الانسان عن لقائه، والحضور بساحة رحمته، والاستمتاع بلذيذ مناجاته، والاستضاءة بمشارق نوره.
ويتعالى النداء ذكرى تنصبّ بين يدي العقل، وهالة نور تحيط بمدارات الروح.
«أشهد أن لا إله إلاّ الله»: ليصحو العقل من غفلته، ويستفيق الضمير من رقدته، ويستمر مؤذّن الأرض يوالي إيقاع فصول الأذان: «أشهد أنّ محمداً رسول الله» تعريفاً ببشارة السماء الى الأرض، ودعوة لأتباع رسول الحق والهدى، ليخفّوا الى الصلاة وسط هذا الجوّ الروحي العبق، والاحساس النفسي المتفتح.
ثم يستأنف المؤذّن فصول الأذان، فيكرّر: «حيّ على الصّلاة ، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل»، هيّا أقبل أيها المسلم إنها الصلاة، لقاؤك مع ربّك، ووقوفك بين يديه. إنّها أجمل لحظات عمرك، وأربح مساعيك. أقبل عليها بروحك وقلبك وعقلك، ففيها فلاحك وخيرك.
ولا ينتهي الأذان حتى يكرّر دعوة الحق والثناء «الله أكبر» «لا إله إلاّ الله» لئلاّ يعظم في نفس الانسان عظيم غير الله بعد هذا النداء، ليخفّ الى لقاء ربّه، ويسارع الى الوقوف بين يديه، سبحانه وتعالى.[b][i][u]